[align=center]السلام عليكم[/align]
في مساء ذلك اليوم . . سمعتهم يتحدثون . . العيد ربما يكون غدًا . .
و لمشاركته في الحديث و إنصاته لهم . . ألقوا إليه حملاً ثقيلاً . . عندما طلبوا منه و هو طفل صغير . . أن يسمع أصوات المدافع مشيرة إلى أن الشهر لم يكتمل و أن غداً هو يوم العيد . .
تولى المهمة بهمة عالية . . و رجولة مبكرة . . ترك ما حوله من الألعاب . . و نسي أقرانه من الأطفال . . أصغى بسمعه . . و أرهف جوارحه . . و كأن العيد أصبح مسئوليته!!
صعد إلى أعلى المنزل . . و خرج إلى الساحة . . و أخيرًا . . اختر أهدا النوافذ و أبعدها عن الضجيج . .
مرت ساعات طويلة من الانتظار . . ذرع خلالها المنزل ذهابًا و عودة . . بعدها اهتزت أذنه فرحًا عندما سمع أصوات المدافع . . و بدت واضحة أكثر عندما توقف إمام المسجد عن أداء صلاة التراويح . . بدا له أنه انتزع العيد انتزاعًا من تلك الليلة المظلمة و أتى بهلال شهر شوال . .
هرول مسرعًا إلى جدته ليزف البشرى التي ينتظرها الجميع . . والتي أداها على خير وجه . . و كان صوته يسبقه مجلجلاً في أرجاء المنزل يعلن قدوم العيد . .
لشدة هوله . . توقف . . !! لمح جدته في مصلاها و عيناها تدمعان . . اقترب منها و رفع صوته معلنًا قدومه .. و قدوم العيد . . و عيناه تتابعان سقوط تلك الدموع على مصلاها . . انتبهت لاقترابه و رفعت رأسها . . أخفت الدموع بيدها . . قبلت جبينه . . و أعلنت فرحها لفرحه بالعيد . .
سنين طويلة . . مرت من عمره . . علم فيها أن تلك الدمعة تعبير صادق عن فقدان شهر عزيز . . و أيام كريمة . . شهر رمضان . . هذا حزن من يفرح بقدوم مواسم الخيرات ثم انقضائها . . تبقى في نفسه لوعةٌ لفراق هذا الشهر . . شهر الخير و العطاء . . تجعله يتمنى أن السنة كلها رمضان . .
بعد أن كبر الطفل و أصبح رجلاً . . رأى الموازين انقلبت . . و الأمور تغيرت . . و الأحوال تبدلت . . رأى بأم عينه التي رأت تلك الدمعة . . من يفرح بإعلان العيد هربًا من رمضان . . رأى من يترك كل عبادة و طاعة يؤديها مع إعلان العيد . . و كأن فجر العيد إعلان بترك الطاعات و الواجبات . . و إيذان بموسم المعاصي و المحرمات . .
تأكد من ذاك عندما سمع الإمام يرفع صوته من المنبر في صلاة الجمعة التي تلي شهر رمضان . . و قد خلا المسجد من المصلين إلا قليلاً . . و هو يتساءل . . أين من كان يصلي معنا في رمضان؟ لقد امتلأ بهم المسجد على سعته . . لقد حافظوا على الصلاة في شهر رمضان . . ثم أردف بحرقة و ألم . . أين هم الآن؟ ثم كرر السؤال . . هل قدموا من كوكب آخر؟
و لكن صوت الإمام يضيع في تلك الصفوف الخالية . . و لا مجيب ! ! تساءل . . و الدمعة يراها في عين جدته . . و مرارة الفراق على قسمات وجهها . . أهكذا يودع رمضان بهذه الجفوة و هذا الإصرار؟ . . ألا يُعرف المسجد . . و لا يقرأ القرآن إلا في رمضان؟ شهر رمضان مدرسة لتربية النفوس لتستمر طوال العام بنفس الهمة و النشاط دون كلل ولا ملل و لا فتور . . ولكن . . ما نراه اليوم أن يُوَدع رمضان تُوَدع المساجد إلى العام القادم؟! يطوى المصحف إلى رمضان القادم؟ ! . . تترك الطاعات و القربات إلى العام القادم؟ ! . . يُغفل عن النوافل . . و تترك الواجبات . . و الله سبحانه و تعالى قد وقت نهاية الأعمال بقوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
و اليقين هو الموت لا مدفع العيد . . ! !
الفوائد:
1-اعمل صالحًا في حياتك ما حييت فإن الله سيسألك في حياتك فيما أفنيت.
2-لا تقصر عبادتك لله تعالى فإن الموت يأتيك بغتة, فاعبد ربك و كأنك ستموت غدًا.
3-العبادة لا تقتصر على شهر رمضان المبارك أو غيرها من الشهور, بل هي واجبة على المسلم في كل وقت.
4-على المسلمين الإلتزام و الدوام على الصلاة فهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة.
فيا أخي المسلم إن كنت مقصرًا في صلاتك فاذهب من الآن و قم لربك و رب العالمين, عسى الله أن يغفر لك ذنبك و يدخلك جنات تجري من تحتها الأنهار, فيها كل ما تشتهي و أكثر, و لسوف يعطيك ربك فترضى, و للآخرة خير لك من الأولى. أسألُ الله أن يغفر لي و لجميع المسلمين, و أن يهدينا إلى الصراط المستقيم فهو الهادي و هو الغفور الرحيم, والحمد لله رب العالمين.